الفرق بين من يفرح بالنعم لهواه ومن يفرح بها لتعينه على طاعة الله
ما أعظم الفروق والتفاوت بين من يفرح بالنعم لموافقة طبعه وهواه ومن يفرح بها لتعينه وتساعده على طاعة الله، فهذا الأخير قد استعمل النعم ووضعها في موضعها الذي قُصدت له، وتوسِّل بها إلى نعم عاجلة وآجلة، ودخل في قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: 58]
وهذا الذي كانت نعم الله عليه سببًا للسعادة الأبدية، والمغنم الرابح الذي ينبغي للعبد إذا أنعم الله عليه بعافية بدن، وسعة رزق، وحصول ولد ونحوه، أن يجتهد ويعمل كل سبب ظاهر وباطن في أن تكون هذه الأمور معينة له على الخير، وزادًا له إلى ما يحبه ويرضاه، ويقول: "اللهم ما رزقتني مما أحب، فاجعله قوة لي فيما تحب، وما زويت عني مما أحب، فاجعله فراغًا لي فيما تحب"، وهذا أعظم بركة النعم، فإن نعم الله وعطاياه إن لم يُبارك فيها للعبد كانت ناقصة، وقليلة الجدوى على العبد، واللوم كل اللوم عليه.
ولهذا من فرح بالنعم لموافقة طبعه وهواه، وحزن على فواتها لمخالفتها لذلك، لم يكن له غاية حميدة ولا عاقبة حسنة؛ بل قد يجد هذه النعم محشوة بالنكد والآلام القلبية؛ ولهذا يحق للعبد أن يقول بقوة إيمان وصدق: "اللهم بارك لي فيما أعطيت" فيكون داعيًا لله بدوام النعم وبركتها والمزيد منها.
المرجع: مجموع الفوائد واقتناص الأوابد
للشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي-رحمه الله-